سورة القصص - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


كان شُعيبُ عليه السلام يحتاج إلى أجير، ولكن لا يسكن قلبُ إلى أحدٍ، فلمَّا رأى موسى، وسمع من ابنته وصفةَ بالقوة والأمانة سأل:
عَرَفْتُ قُوَّتَه.. فكيف عرفْتِ أمانتَه؟
فقالت: كنتُ أمشي قُدَّامَه فأَخَّرَني عنه في الطريق قائلاً: سيري ورائي واهديني، لئلا يَقَعَ بَصَرُه عليَّ.. فقال شعيب: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
فرغب موسى وتزوجها على صداقٍ أن يعمل عشر حجج لشعيب.
وفي القصة أن شعيباً قال لموسى: ادخلْ هذا البيتَ وأخْرِجْ مما فيه من العِصِيِّ عصاً، وكان البيتُ مظلِماً، فَدَخَل وأخرج العصا، تلك التي أظهر الله فيها معجزاته، ويقال: إنها كانت لآدم عليه السلام، ووقعت لشعيب من نبيٍّ إلى نبيٍّ. إذ يقال: إنه لما هَبَطَ آدمُ إلى الأرض صال عليه ما على وجهها من السَِّباع، فأنزل عليه الله عصاً، وأمَرَه جبريلُ أنْ يَرُدَّ السباعَ عن نَفْسِه بتلك العصا.
وتوارث الأنبياءُ واحداً بعد الآخر تلك العصا، فلمَّا أخرج موسى تلك العصا، قال شعيب: ردَّها إلى البيت، واطرحها فيه، وأخْرِجْ عصاً أخرى، فَفَعَلَ غير مرة، ولم تحصل كلَّ مرة في يده إلا تلك العصا، فلمَّ تَكَرَّرَ ذلك عِلِمَ شعيبُ أنَّ له شأناً فأعطاه إياها.
وفي القصة: أنه في اليوم الأول ساق غَنَمه، وقال له شعيب: إنَّ طريقَكَ يتشعب شِعْبَيْن: على أحدهما كَلأٌ كثيرٌ فلا تَسْلُكْه في الرعي فإنَّ فيه ثعباناً، واسْلُكْ الشِّعْبَ الآخرَ. فلمَّا بلغ موسى مَفْرِقَ الطريقين، تَفَرَّقَتْ أغنامُه ولم تطاوعه، وسامت في الشِّعْبِ الكثيرِ الكَلأَ، فَتَبِعَها، ووقع عليه النومُ، فلمَّا انتبه رأى الثعبانَ مقتولاً، فإن العصا قتلته، ولمَّا انصرف أخبر شعيباً بذلك فَسُرَّ به. وهكذا كان يرى موسى في عصاه آياتٍ كثيرة، ولذا قال: {وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى}.


مَضَتْ عَشْرُ حِجَجٍ، وأراد موسى الخروجَ إلى مصر، فَحَمَلَ ابنَه شعيب، وسارَ بأهله متوجِّهاً إلى مصر. فكان أهلُه في تسييره وكان هو في تسيير الحقِّ، ولمَّا ظَهَرَ ما ظهر بامرأته من أمر الطِّلْقِ استصعب عليه الوقتُ، وبينا هو كذلك آنسَ من جانب الطور ناراً- أي أبصر ورأى- فكأنه يشير إلى رؤية فيها نوعُ أُنْسٍ: وإنَّ اللَّهَ إِذا أراد أمراً أجْرَى ما يليق به، ولو لم تقع تلك الحالةُ لم يخرج موسى عندها بإيناس النار، وقد توهم- أول الأمر- أن ما يستقبله في ذلك من جملة البلايا، ولكنه كان في الحقيقة سَبَبَ تحقيق النبوة. فلولا أسرار التقدير- التي لا يهتدي إليها الخَلْقُ- لما قال لأهله: {امْكُثُواْ إِنِّى ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ}.
ويقال: أراح له ناراً ثم لَوَّح له نوراً، ثم بدا ما بدا، ولا كان المقصودْ النَّارَ ولا النورَ. وإنما سماع نداء: {إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالِمِينَ}.


قوله جلّ ذكره: {فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِىَ مِن شَطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن...} الآية.
أخفى تعيين قَدَم موسى على الظنون بهذا الخطاب حيث قال: {من شاطئ الواد الأيمن}، ثم قال: {في البقعة المباركة} ثم قال: {من الشجرة}.
وأخْلِقْ بأن تكون تلك البقعة مباركة، فعندها سَمِعَ خطابَ مولاه بلا واسطة؛ وأعِزُّ الأماكنِ في العالمِ مَشْهَدُ الأحباب:
وإني لأهوى الدارَ ما يستعزني *** لها الود إلا أنها من دياركا
ويقال كم قَدَمٍ وَطَئَتْ لك البقعة، ولكن لم يسمع أصحابُها بها شيئاً!.. وكم ليلةٍ جَنَّت تلك البقعة ولم يظهر من تلك النار فيها شعلة!.
ويقال: شتَّان بين شجرة وشجرة؛ شجرة آدم عندها ظهور محنتِه وفتنتِه، وشجرة موسى وعندها افتتاح نُبُوَّتِه ورسالتِه!.
ويقالك لم يأتِ بالتفصيل نوعُ تلك الشجرة، ولا يُدْرَى ما الذي كانت تثمره، بل هي شجرة الوصلة؛ وثمرتها القربة، وأصلُها في أرض المحبة وفَرْعُها باسِقٌ في سماء الصفوة، وأوراقها الزلفة، وأزهارها تَنْفَتِقُ عن نسيم الرَّوْح والبهجة:
فلمَّا سمع موسى تغيَّر عليه الحال؛ ففي القصة: أنه غُشِي عليه، وأرسل اللَّهُ إليه الملائكة لِيُرِّوحوه بمراوح الأُنْس، وهذا كان في ابتداء الأمر، والمبتدئ مرفوقٌ به. وفي المرة الأخرى خرَّ موسى صَعِقاً، وكان يفيق والملائكة تقوله له: يا ابن الحيض. أمثالك مَنْ يسأل الرؤية؟!.
وكذا الحديث والقصة؛ في البداية لُطْفٌ وفي النهاية عُنْفٌ، في الأولِ خَتْل وفي الآخرِ قَتْل، كما قيل:
فلمَّا دارت الصهباءُ *** دعا بالنَّطع والسيفِ
كذا مَنْ يشرب الراح *** مع التِّنِّين في الصيفِ

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11